فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} أي يصدون بأنفسهم عن دينه سبحانه ويعرضون عنه، فالموصول صفة مقررة للظالمين لأن هذا الإعراض لازم لكل ظالم، وجوز القطع بالرفع أو النصب وكلاهما على الذم وأمر الوقف ظاهر، وفسر الإمام النسفي الصد هنا بمنع الغير وعليه فلا تقرير، والمعنى يمنعون الناس عن دين الله تعالى بالنهي عنه وإدخال الشبه في دلائله {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} أي يطلبون اعوجاجها ويذمونها فلا يؤمنون بها أو يطلبون لها تأويلًا وإمالة إلى الباطل، فالعوج إما على أصله وهو الميل وإما بمعنى التعويج والإمالة.
ونصبه قيل: على الحالية.
وقيل: على المفعولية.
وجوز الطبرسي أن يكون نصبًا على المصدر كرجع القهقرى واشتمل الصماء، وذكر أن العوج بالكسر يكون في الدين والطريق وبالفتح في الخلقة فيقال في ساقه عوج بالفتح وفي دينه عوج بالكسر، وقال الراغب: العَوَج يقال فيما يدرك بالبصر سهلًا كالخشب المنتصب ونحوه، والعِوَج يقال فيما يدرك بفكر وبصيرة كما يكون في أرض بسيط. وكالدِّين والمعاش، وسيأتي لذلك تتمة إن شاء الله تعالى.
{وَهُم بالآخرة كافرون} أي غير معترفين بالقيامة وما فيها، والجار متعلق بما بعده.
والتقديم لرعاية الفواصل، والعدول عن الجملة الفعلية إلى الاسمية للدلالة على الدوام والثبات إشارة إلى رسوخ الكفر فيهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

المراد بالصدّ عن سبيل الله: إمّا تعرّض المشركين للراغبين في الإسلام بالأذى والصّرف عن الدّخول في الدّين بوجوه مختلفة، وسبيل الله ما به الوصول إلى مرضاته وهو الإسلام، فيكون الصدّ مرادًا به المتعدي إلى المفعول.
وإما إعراضهم عن سماع دعوة الإسلام وسماع القرآن، فيكون الصدّ مرادًا به القاصر، الذي قيل: إنّ مضارعه بكسر الصّاد، أو إن حق مضارعه كسر الصّاد، إذ قيل لم يسمع مكسور الصّاد، وإن كان القياس كَسْر الصّاد في اللاّزم وضمَها في المتعدي.
والضّمير المؤنّث في قوله: {ويبغونها} عائد إلى {سبيل الله}.
لأنّ السّبيل يذكّر ويؤنّث قال تعالى: {قل هذه سبيلي} [يوسف: 108] وقال: {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلًا} [الأعراف: 146].
والعِوَج: ضدّ الاستقامة، وهو بفتح العين في الأجسام: وبكسر العين في المعاني.
وأصله أن يجوز فيه الفتح والكسر.
ولكن الاستعمال خصّص الحقيقة بأحد الوجهين والمجازَ بالوجه الآخر، وذلك من محاسن الاستعمال، فالإخبار عن السبيل عِوج إخبار بالمصدر للمبالغة، أي ويرومون ويحاولون إظهار هذه السّبيل عوجاء، أي يختلقون لها نقائص يموّهونها على النّاس تنفيرًا عن الإسلام كقولهم: {هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل مُمَزّق إنّكم لفي خَلق جديد أفترى على الله كذبًا أم به جنة} [سبأ: 7، 8]، وتقدّم تفسيره عند قوله تعالى: {يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجًا} في سورة آل عمران (99).
وورد وصفهم بالكفر بطريق الجملة الاسميّة في قوله: {وهم بالآخرة كافرون} للدّلالة على ثبات الكفر فيهم وتمكّنه منهم، لأنّ الكفر من الاعتقادات العقليّة التي لا يناسبها التّكرّر، فلذلك خولف بينه وبين وصفهم بالصدّ عن سبيل الله وبغي إظهار العِوَج فيها، لأنّ ذَيْنك من الأفعال القابلة للتّكرير، بخلاف الكفر فإنّه ليس من الأفعال، ولكنّه من الانفعالات، ونظير ذلك قوله تعالى: {يرزق من يشاء وهو القوي العزيز} [الشورى: 19]. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الشعراوي:

{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45)}
والذي يصد عن سبيل الله هو من امتنع عن سبيل الله، وصد غيره، أي ضلّ في ذاته ثم أضل غيره، وهؤلاء هم الذين يطلبون منهج الله معوجًا، ويذمونه ولا يؤمنون به فيعترضون على إقامة الحدود والقصاص، وينفرون الناس عن منهج الله؛ لينصرف الناس عن الدين. هم إذن قد صدوا عن سبيل الله وطلبوا العوج فيما شرع الله لينفروا الناس عمّا شرع الله، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل هم بالآخرة كافرون، ولو كان الواحد منهم مؤمنًا بالآخرة ويعلم أن له مرجعًا ومردًا إلى الله لما فعل ذلك. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {الَّذينَ} يجوز أن يكون مرفوع المحل ومنصوبه على القطع فيهما، ومجروره على النَّعت، أو البدل، أو عطف البيانِ.
ومفعول {يَصُّدُّونَ} محذوف أي: يَصُدُّون النَّاسَ، ويجوز ألاّ يُقدر له مفعول.
والمعنى: الَّذين من شأنهم الصَّدُّ كقولهم: هو يعطي ويمنع.
ومعنى {يَصُدُّونَ} أي: يمنعون النَّاس من قبول الدين الحقِّ، إمَّا بالقهر، وإمّا بسائر الحِيَلِ.
ويجوز أن يكون {يَصُدُّونَ} بمعنى يعرضون من: صدَّ صُدُودًا، فيكون لازمًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من فوائد أبي السعود في الآيتين:
قال عليه الرحمة:
{ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار}
تبجحا بحالهم وشماتة بأصحاب النار وتحسيرا لهم لا لمجرد الإخبار بحالهم والاستخبار عن حال مخاطبيهم {أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا} حيث نلنا هذا المنال الجليل {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا} حذف المفعول من الفعل الثاني إسقاطا لهم عن رتبة التشريف بالخطاب عند الوعد، وقيل: لأن ما ساءهم من الموعود لم يكن بأسره مخصوصا بهم وعدا كالبعث والحساب ونعيم الجنة، فإنهم قد وجدوا جميع ذلك حقا وإن لم يكن وعده مخصوصا بهم {قالوا نعم} أي وجدناه حقا، وقرئ بكسر العين وهي لغة فيه {فأذن مؤذن} قيل: هو صاحب الصور {بينهم} أي بين الفريقين {أن لعنة الله على الظالمين} بأن المخففة أو المفسرة، وقرئ بأن المشددة ونصب {لعنة} وقرى إن بكسر الهمزة على إرادة القول أو إجراء أذن مجرى قال: {الذين يصدون عن سبيل الله} صفة مقررة للظالمين، أو رفع على الذم أو نصب عليه {ويبغونها عوجا} أي يبغون لها عوجا بأن يصفوها بالزيغ والميل عن الحق وهو أبعد شيء منهما والعوج بالكسر في المعاني والأعيان ما لم يكن منتصبا وبالفتح ما كان في المنتصب كالرمح والحائط {وهم بالآخرة كافرون} غير معترفين. اهـ.

.تفسير الآية رقم (46):

قوله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{وبينهما} أي وحال الفريقين عند هذه المناداة أنه بينهما أو بين الدارين {حجاب} أي سور لئلا يجد أهل النعيم في دارهم ما يكدر نعيمها {وعلى الأعراف} جمع عرف وهو كل عال مرتفع لأنه يكون أعرف مما انخفض، وهي المشرفات من ذلك الحجاب {رجال} استوت حسناتهم وسيئاتهم فوفقوا هنالك حتى يقضي الله فيهم ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته كما جاء مفسرًا في مسند ابن أبي خثيمة من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم {يعرفون كلًا} أي من أصحاب الجنة وأصحاب النار قبل دخول كل منهم داره {بسيماهم} أي علامتهم {ونادوا} أي أصحاب الأعراف {أصحاب الجنة} أي بعد دخولهم إليها واستقرارهم فيها {أن سلام عليكم} أي سلامة وأمن من كل ضار.
ولما كان هذا السلام ربما أشعر أنه بعد دخول أهل الأعراف الجنة، فكأنه قيل أكان نداؤهم بعد مفارقتهم الأعراف ودخولها؟ فقيل لا، {لم يدخلوها} أي الجنة بعد {وهم} أي والحال أنهم {يطمعون} في دخولها، وعبر بالطمع لأنه لا سبب للعباد إلى الله من أنفسهم وإن كانت لهم أعمال فضلًا عن هؤلاء الذين لا أعمال لهم. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن قوله: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} يعني: بين الجنة والنار، أو بين الفريقين، وهذا الحجاب هو المشهور المذكور في قوله: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ} [الحديد: 13].
فإن قيل: وأي حاجة إلى ضرب هذا السور بين الجنة والنار؟ وقد ثبت أن الجنة فوق السموات وأن الجحيم في أسفل السافلين.
قلنا: بعد إحداهما عن الأخرى لا يمنع أن يحصل بينهما سور وحِجاب، وأما الأعراف فهو جمع عرف وهو كل مكان عال مرتفع، ومنه عرف الفرس وعرف الديك، وكل مرتفع من الأرض عرف، وذلك لأنه بسبب ارتفاعه يصير أعرف مما انخفض منه.
إذا عرفت هذا فنقول: في تفسير لفظ الأعراف قولان:
القول الأول: وهو الذي عليه الأكثرون أن المراد من الأعراف أعالي ذلك السور المضروب بين الجنة والنار، وهذا قول ابن عباس.
وروي عنه أيضًا أنه قال: الأعراف شرف الصراط.
والقول الثاني: وهو قول الحسن وقول الزجاج: في أحد قوليه أن قوله: {وَعَلَى الأعراف} أي وعلى معرفة أهل الجنة والنار رجال يعرفون كل أحد من أهل الجنة والنار بسيماهم.
فقيل للحسن: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فضرب على فخذيه ثم قال: هم قوم جعلهم الله تعالى على تعرف أهل الجنة وأهل النار يميزون البعض من البعض، والله لا أدري لعل بعضهم الآن معنا! أما القائلون بالقول الأول فقد اختلفوا في أن الذين هم على الأعراف من هم؟ ولقد كثرت الأقوال فيهم وهي محصورة في قولين: أحدهما: أن يقال إنهم الأشراف من أهل الطاعة وأهل الثواب، الثاني: أن يقال إنهم أقوام يكونون في الدرجة السافلة من أهل الثواب أما على التقدير الأول ففيه وجوه: أحدها: قال أبو مجلز: هم ملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار، فقيل له: يقول الله تعالى: {وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ} وتزعم أنهم ملائكة؟ فقال الملائكة ذكور لا إناث.
ولقائل أن يقول: الوصف بالرجولية إنما يحسن في الموضع الذي يحصل في مقابلة الرجل من يكون أنثى ولما امتنع كون الملك أنثى امتنع وصفهم بالرجولية.
وثانيها: قالوا إنهم الأنبياء عليهم السلام أجلسهم الله تعالى على أعالي ذلك السور تمييزًا لهم عن سائر أهل القيامة، وإظهارًا لشرفهم، وعلو مرتبتهم وأجلسهم على ذلك المكان العالي ليكونوا مشرفين على أهل الجنة، وأهل النار مطلعين على أحوالهم ومقادير ثوابهم وعقابهم.
وثالثها: قالوا: إنهم هم الشهداء، لأنه تعالى وصف أصحاب الأعراف بأنهم يعرفون كل واحد من أهل الجنة وأهل النار، ثم قال قوم: إنهم يعرفون أهل الجنة بكون وجوههم ضاحكة مستبشرة، وأهل النار بسواد وجوههم وزرقة عيونهم، وهذا الوجه باطل، لأنه تعالى خص أهل الأعراف بأنهم يعرفون كل واحد من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم، ولو كان المراد ما ذكروه لما بقي لأهل الأعراف اختصاص بهذه المعرفة، لأن كل أحد من أهل الجنة ومن أهل النار يعرفون هذه الأحوال من أهل الجنة ومن أهل النار، ولما بطل هذا الوجه ثبت أن المراد بقوله: {يَعْرِفُونَ كُلًا بسيماهم} هو أنهم كانوا يعرفون في الدنيا أهل الخير والإيمان والصلاح، وأهل الشر والكفر والفساد وهم كانوا في الدنيا شهداء الله على أهل الإيمان والطاعة وعلى أهل الكفر والمعصية، فهو تعالى يجلسهم على الأعراف، وهي الأمكنة العالية الرفيعة ليكونوا مطلعين على الكل يشهدون على كل أحد بما يليق به، ويعرفون أن أهل الثواب وصلوا إلى الدرجات، وأهل العقاب إلى الدركات.